Sunday, 27 September 2009
رقائق إيمانية (8) - جميل الستر
أتانا الضيف الكريم و معه كل الخير و كل النفع و راح و معه عتقاء مقبولين فائزين و ترك من ورائه خاسرين نادمين مطرودين..هذه هي سنة الله بين خلقه في كل عام بنفحات تعرض على بني البشر و يفطن لها العقلاء ذوي الألباب و يعرض عنها اللاهون العابثون.
سبحانه و تعالى أقام الحجة على خلقه و فتح لهم من فيض رحمته و أنوار هدايته فأفلح من زكاها و قد خاب من دساها , تقرب من تقرب و تولى من تولى.
وقفت مع نفسي في ذروة الطاعة و العبادة في العشر الأخيرة من رمضان , فنظرت لنفسي عجبا من الحالة الإيمانية التي يكون عليها المتعبدين و العاكفين و القائمين في رمضان. فلما تدبرت قليلا الأعمال الصالحة وجدت أنه على الرغم من ذلك لا تصلح أعمالا كاملة يقابل بها المرء نعم الله عليه أو على الأقل أن يدفع بها العذاب عن نفسه يوم الحساب.
على سبيل المثال إذا نظرنا للفرائض من الصلوات هل نؤيدها حقها من تركيز و خشوع و طمأنينة و سكينة؟!!
أم أننا ننشغل بأشياء أخرى و أفكار دنيوية في الصلاة!!
ثم إطمأنت نفسي قليلا حينما تذكرت أن في صلاة السنن جبر للفرائض و ربما يكون هذا من المنقذات لأعمالنا الغير كاملة. و لكن سرعان ما إضطربت نفسي عندما تبينت أنه كيف نجبر الناقص بالناقص فهل نؤدي للسنن حقها؟؟!! أين المفر؟
لحظة , و لكن هناك مخرج..
الإستغفار , نعم هو الإستغفار , الإستغفار هو الملاذ الوحيد..
همست في نفسي , و لكن هل نؤدي الإستغفار على نحو ما كان يفعله النبي صلى الله عليه و سلم مع أنه لم يكن أقل منا حسنات و لم يكن أكثر منا سيئات!!
ثم بعد صلاة مع البكاء و إزراف الدمع..قالت لي نفسي "إنظر كيف أنك خشعت هذه المرة أكثر من باقي المصلين" , و بالتالي لحظات من العجب تحبط العمل بكامله , وا حسرتاه!! إبك يا نفس على نفسك..
آه..هناك أملا آخر..الصيام و الإمتناع عن المباحات و المحرمات إبتغاء مرضات الله ..و فجأة و بدون مقدمات زارني زميل في العمل لم أكن رأيته منذ فترة و بدأنا نتحدث قليلا عن العمل ثم تطرقنا إلى الموقف الساخر الذي فعله المدير الفلاني مع الموظف الفلاني..توقفت للحظات و شعرت بالألم و الحسرة حينما إستعدت الحوار الذي دار و تصيدت ما فيه من الغيبة و النميمة..
و بعد فترة من التفكير و مراجعة شريط الذكريات و حساب النفس على ما قدمت من صالحات تشوبها الشبهات و ما فعلت من تقصير الفادح من ذنوب و آثام , تذكرت قول الله عز و جل "و لولا فضل الله عليكم و رحمته ما زكى منكم من أحد أبدا و لكن الله يزكي ما يشاء" صدق الله العظيم..
و أيضا لاح أمام عيني الحكمة التي قالها أحد الزهاد "لولا جميل ستره لم يكن عملا أهلا للقبول"
و لذلك تجد أن النبي صلى الله عليه و سلم سن لنا الإستغفار بعد الصلاة. هل الصلاة ذنب حتى نستغفر منها؟! و لكن إذا علمت أن الله ينصب وجهه لوجهك في الصلاة و أنها صلة بين العبد و ربه فلابد أنك مهما كنت من التركيز فلن تؤديها حقها.
و كذلك إذا كان أدائها على أتم وجه و أكمل هيئة كفعل النبي صلى الله عليه و سلم –و هذا من المستحيلات- فإنها ليست كفء لمقام الله عز و جل فلابد أن تستغفر بعدها أيها العبد المقصر..
فتجد أن العمل يخرج و قد لوثته النقائص وعدم الخشوع و قلة التركيز و النوايا الغير خالصة و العجب من الإحسان في العمل و النظر في أعين الخلق و سماع مدحهم لنا في العمل و ما إلى ذلك من حظ النفس في الأعمال و لا حول و لا قوة إلا بالله..
إن ستر الله علينا من نعمه الكبيرة التي لا ندرك مداها إلا يوم القيامة فإنه ستره سبحانه و تعالى قد جبر العمل الناقص و قبل قليله و رممه لنا كي ينقذنا من النار و ليس بواجب عليه . كما أنه ستر علينا في المعاصي و الذنوب و طفق يرزقنا مع عصياننا و ستر معاصينا عن أعين الناس و لو علموا ما فيها لهجرونا:
يظن الناس بي خيرا واني
لشر الخلق ان لم تعف عني
و كما قال علماؤنا إذا مدحك الناس على وجودك في الطاعة فأعلم أنهم يمدحون الستر الذي وضعه الله عليك فجمل الصورة و جبر العمل سبحانه و تعالى.
إلهي أنت أقمتنا في الطاعات و نحن لسنا أهلا لأن نقف بين يديك..
إلهي أنت أوقفتنا ندعوك في الصلاة و قد عصيناك كثيرا و أنت سترتنا كثيرا..
إلهي أنت نصبتنا في جوف الليل نقرأ من كتابك و قد لهونا و عبثنا كثيرا و تكاسلنا عن الطاعة كثيرا..
إلهي كيف نتوسل إليك بطاعة ناقصة و إخلاص مشوب و نفس بغيرك شغولة و تركيز زهيد؟؟
إلهي كيف نرجوا الدرجات العلا و نحن مكبلين بالشهوات و الملذات؟؟
إلهي كيف نأمل الفردوس الأعلى و قد خنا العهد في السر و العلن؟؟
إلهي كيف نحشر في معية النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و قد أثقلتنا الخطايا و الآثام؟؟
إلهي تتنزل في كل ليلة نزولا يليق بجلالك لتغفر الذنوب و تلبي النداءات و نحن نغط في نوم عميق و نحن العبيد و أنت الرب؟؟
من أحق أن يؤتى إيه العبد أم الرب؟؟
إلهي إرحم عبيدا لا حيلة لهم إلا حسن الظن في رب ستير!! هل يرحم العبد بعد الله من أحد!!؟؟
Monday, 21 September 2009
رقائق إيمانية (7) - علل القلوب
أسأل الله تعالى أن يجعل حالنا بعد رمضان أحسن مما كنا عليه في رمضان و أن يثبتنا على طاعته..
اللهم كما أذقتنا لذة الصيام و القيام و التهجد في رمضان فلا تحرمنا بذنوبنا لذة هذه الطاعات بعد رمضان..
و إجعل القرآن خير رفيق لنا و خير معين على طاعتك و فهمنا منه الكثير و أعنا على حفظه و العمل به و قراءته على الوجه الذي يرضيك عنا...و بلغنا به جناتك و أسكنا به الغرف و أكسنا به الحلل و ارفع به عنا النقم و امح به خطايا و اكتبنا به مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولائك رفيقا..
اللهم إستجب دعانا بحولك و قوتك يا أرحم الراحمين.
بهذه المناسبة أذكر نفسي و إياكم بصيانة القلوب. القلب كما نعلم جميعا هو عضو من أعضاء الجسم و وظيفته هي الضخ المستمر للدم في جسم الإنسان و كذلك المحافظة على الدورة الدموية للجسد. و لسنا هنا لنتكلم عن العمل المادي أو الميكانيكي لقلب الإنسان و لكننا نتكلم عن الجانب الآخر من وظيفته أو الجانب المعنوي له.
للأسف يهتم أغلب الناس بصيانة القلب و متابعته من جانب واحد فقط و لا يعيرون الجانب الآخر إهتماما على الرغم من أنه لا يقل أهمية عن صيانة وظائفه الحيوة..
فكما يتأثر الأداء المادي للقلب بالتدخين و الإفراط في الأكل و المجهود العنيف و مؤثرات صحية أخرى , أيضا يتأثر الجانب الروحاني للقلب بالمعاصي و الفتن و الشهوات و الدنيا بصفة عامة.. و لكن أكثر الناس لا يعلمون و لو علموا لا يعملون!!!
لقد قص علينا القرآن الكريم من دعاء أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام "و لا تخزني يوم يبعثون ؛ يوم لا ينفع مال و لا بنون ؛ إلا من أتى الله بقلب سليم". فهذا يعني حتما أن هناك قلب سليم و قلب مريض , و كان بين ذلك قواما.
سؤال: هل للقلب من عطب؟؟
الإجابة: نعم..
إن القلب كعضو من أعضاء الجسد له وظيفة روحانية خلقه الله تعالى من أجلها..فالقلب السليم هو القلب الذي يتابع الله تعالى في حركاته و سكناته و هو القلب الذي يميل إلى الحق و هو القلب الذي يبغض الباطل , يرفض المعصية و يحن للطاعة , يميل لدين الله و ينفر من هوى الشيطان , يضيق صدرا بالحرام و يلين كيانه للحلال..
إنك تستطيع أن تعيش بغير أيد أو أرجل و لكنك لا تستطيع أن تحيا بدون قلب!!
و هذا هو جل قوة القلب فإن سائر الأعضاء لا تصح إلا بصحته و لا تمرض إلا لمرضه..و ذلك مصداقا لما قاله سيد الخلق صلى الله عليه و سلم :"ألا إن في الجسد مضغة ؛ إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله ؛ ألا و هي القلب". إن الجوارح تتبع القلب و هي خادمة له و عاملة تحت طوعه و بكامل إرادته و تصرفه بها.
بل إن أعمال الجوارح تترجم ما للقلب من حالة ؛ فنظر العين و بطش اليدين و السعي بالقدمين و الكلام باللسان و الفكرة تمر على المخ بسلطان القلب و تحت تأثيره..
إن من أخطر ما يميز القلب أنه سريع التقلب و التبدل من حال إلى حال و لذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه و سلم "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"..
القلب سريع التغير و ربما مال قليلا للباطل ثم ما يلبث أن يعود للحق و هكذا فإن الإنسان في صراع مستمر مع قلبه لمحاولة تثبيته على طاعة الله و بالطبع بحول الله و قوته , و الله المستعان..
القلب له من الأسباب الكثير التي قد تحوله و له أيضا من المؤثرات العديدة التي قد تفقده إيمانه و سكينته..
كلما إقترف الإنسان من الذنوب و الخطايا كلما زاد تأثر القلب ثم تشوبه الشوائب إلى أن يصاب بإلف المعصية و بعدها يحب المعصية و يتفنن بها و إليعاذ بالله..
لعل الكثير منا يسمع عن إلف المعصية ؛بل إن بعضنا ذاقها بنفسه؛ عن طريق فعله لمعصية معينة و ذنب إعتاد الوقوع فيه. و من التأثير الواضح لهذا الإلف تجده في الفرق بين شعورك بالذنب في أول مرة فعلت بها الذنب و شعورك تجاه الذنب بعد فترة من الإستمرار عليه. الخشية تسلب من القلب بقدر إلف المعصية.
بل –و إليعاذ بالله- إن بعض الناس يصل إلى درجة أنه يفعل الذنب و يحسب أنه على حق و هذا من تزيين النفس و تزيين الشيطان أيضا و لا حول و لا قوة إلا بالله. قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا..
و من تأثر القلب أيضا أنه لا يستجيب إذا ذكر بالله و أنه لا يخشع لسماع آيات الله , حتى أن القلب حينما يزيد إهماله فإنه يقسو أو يطبع الله عليه و نعوذ بالله من ذلك..
قال تعالى "فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله"
و قال أيضا "ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة"
و قال: "في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا"
و قال: "أولائك الذين طبع الله على قلوبهم فأصمهم و أعمى أبصارهم"
و قال :"أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها"
و قال صلى الله عليه و سلم : تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة
سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسود مربادا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه، و قلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السماوات و الأرض.
إن من العوامل التي تساعد على فساد القلوب:
الشرك بالله..
التعلق بالدنيا و فضول المباحات..
الإصرار على المعاصي..
إستصغار الذنب..
كثرة الكلام في غير طاعة..
الإكثار من مخالطة الأصدقاء..
التكاسل عن الطاعات..
آفات القلوب من الغل و الحسد و الغضب و العجب و الرياء..
و الكثير و الكثير و من يرد أن يزيد فليقرأ كتاب "طب القلوب" لإبن قيم الجوزية.
و هذا إنذار لنا جميعا:
فلنحذر إن كانت قولوبنا تميل للأغاني و لا تميل لسماع القرآن..
و لنحذر إن كانت قلوبنا تستمع بمجالسة خلطاء السوء و تمل من مجالسة الصالحين..
و لنحذر إن كانت قلوبنا تؤثر مشاهدة المباريات على حساب الصلوات الخمس..
و لنحذر إن كانت قلوبنا تنصحنا بجمع المال و تعرض بنا عن مساعدة المحتاجين..
و لنحذر إن كان حب كشف الشعر أهون على قلوبنا من إرتداء الحجاب..
لنبك على نفوسنا و لننعيها إن فسدت قلوبنا و لا نعمل على إصلاها..
و ما العلاج؟؟
العلاج هو إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم , التوبة من المعاصي , تجنب الشهوات , ترك التعلق بالدنيا , و إتيان المعروف "إن الحسنات يذهبن السيئات , ذلك ذكرى للذاكرين" و مجاهدة النفس و المثابرة على الإخلاص في كل الأعمال و ذكر الله و لا سيما القرآن الكريم..
و الله المستعان..
Saturday, 1 August 2009
رقائق إيمانية (6) - رحمة الله بعباده
الحمد لله الذي كتب على نفسه الرحمة و وصف نفسه بالغفور الرحيم فقال تعالى "نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم". سبحانه تفضل على عباده –و ليس بالواجب عليه- أن يقربهم إليه في كل الأوقات عن طريق الأحداث و تنوع واردات الأحوال و هو سبحانه و تعالى الغني ذو الرحمة و هو المتعال صاحب الملك و رب العالمين. و من المعلوم قطعا أن ليس لله منفعة في عذاب الناس و دخولهم النار "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم و آمنتم و كان الله شاكرا عليما".
بل إن الله سبحانه و تعالى أعان العباد على الدخول في الهداية و بصرهم بالطريق و لم يتركهم بلا هداية في الطريق و لكنه جعل إشارات و رسم إمارات في الطريق حتى يهتدي بها السائر إلى الله و يستنير به قلبه و لعلهم يبصرون , فاهتدى من إهتدى و ضل من ضل. فمن نكث فإنما ينكث على نفسه , من إهتدى فإنما يهتدي لنفسه و من ضل فإنما يضل عليها و ما ربك بظلام للعبيد سبحانه و تعالى.
و في الحكم العطائية "من لم يقبل على الله بملاطفات الإحسان قيد إليه بسلاسل الإمتحان" فإن الله حريص على هداية الناس و إرشادهم إلى الطريق. لعل المتأمل في تصريفات الله في خلقه يجد العجاب , فمن الناس من يتوب نتيجة وفاة أحد والديه و كم من منيب إلى الله عند ضياع ماله أو سلطانه و كم من زوال صحة كان سببا في قنوت العبد و رجوعه إلى مولاه جل و علا. إن لله في خلقه شؤون فإعتبروا يا أولي الأبصار. ربما تجد أن بعض الناس يفسده الغنى و يبعده عن الطريق فترى أن الله قد أقامه في الفقر , و ربما تجد أن بعض الناس تطغيه الصحة و البنيان القوي فترى أن الله يبتليه بالأمراض.
و في الحديث الصحيح :"عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل" قيل أنا جائت في قوم أسروا في معركة و دخلوا الإسلام لذلك و البعض يقول أنها تعني أن الله أوجب على بعض الناس الإبتلاءات التي تقربهم للجنة : "علم قلة نهوض العباد الى معاملته ,فأوجب عليهم وجود طاعته ,فساقهم اليه بسلاسل الايجاب, عجب ربك من قوم يساقون الى الجنة بالسلاسل".
إن من رحمة الله بالعباد أنه يظهر لهم فسادا ناتجا من الذنوب حتى يرجعهم إلى رشدهم , فقال تعالى:"ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون". أنا في رأيي أن هذه الآية تدل على مدى رحمة الله تبارك و تعالى بالخلق. فقد جعل الله بعض الأثر السئ نتاجا من العمل السئ حتى تكون عظة و تذكيرا و إرداعا لصاحب المعصية و لغيره من الشهود. و من الرحمة أيضا أنه لم يجعل الإنسان يذوق كل ما عمل من سوء بل جعل بعضه "ليذيقهم بعض الذي عملوا" فلو آخذ الله الناس بكل الذنوب ما ترك على ظهرها من دابة "و لو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة" وقال تعالى : " ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة".
و من شواهد رحمته في القرآن كذلك قوله تعالى "ليجزي الذين آساءوا بما عملوا و يجزي الذين أحسنوا بالحسنى" و لم يقل ليجزي الذين آساءوا بالسوءا و لكنه يجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
لقد إستفاض العلماء في الحديث عن آثار الذنوب و منهم من بين أن منها إفساد الأرض و المحاصيل و الجو و الحياة و الحيوانات و الكائنات. و هذا من رحمة الله كما بينا و لكن إذا إشتد غضب الله على إنسان أخذه أخذ عزيز مقتدر فإن الله تعالى يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته.
و لكن من هم الذين يرجون رحمة الله؟
هنا الجواب الكافي في هذه الآية :" إن الذين آمنوا , والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولائك يرجون رحمة الله , والله غفور رحيم"..
فياليتنا ننتفع برحمة الله الذي يريد الأوبة لعباده فإن الله يحب الأوابين..
Saturday, 11 July 2009
رقائق إيمانية (5) - كيف تخرق لك العوائد؟؟
قال إبن عطاء الله السكندري في حكمه: "كيف تخرق لك العوائد؟ و أنت لم تخرق من نفسك العوائد"
فهذه الحكمة هي أحد الثوابت الكونية التي وضعها الله تعالى بمثابة القانون الإلهي للعمل و الإجتهاد في هذه الحياة الدنيا. كيف يرجوا المرء أن يمكنه الله من الأمور في الدنيا و أن يجري له الآيات و هو لم يتحقق بمقام عبوديته لله. و كما قيل من قبل "من طلب العلا سهر الليالي". كلما تحقق الإنسان بمقام عبوديته لله و تمام تسليمه لمراد الله فيه , كلما من الله عليه بالفتوحات و كشف البصيرة. و ما يزال المرء يتقرب من الله في عباداته و طاعاته حتى يرقي في الدرجات بأن يصير من أولياء الله "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون". و لست أعني هنا وليا بالمجذوبين أو الدجالين كما يدعي دعاة الصوفية المعاصرين و الذين يتمسحون في الأضرحة و يذبحون الذبائح للأموات. و لكن الدين يثبت أن لله أولياء و من المعلوم عن طريق الشواهد و الأحداث أن بعض الصالحين كان لهم من الكرامات و الموافقات ما من الله عليهم به ليكشف لهم الأمور.
و أذكر لكم بعض المواقف و منها موقف سيدنا عمر رضي الله عنه عندما رأى سارية الجبل و ناداهم في الغزوة.
و منها أيضا موقف سيدنا عثمان ذو النورين: أن أنس بن مالك رضى الله عنه دخل عليه وكان قد مر بالسوق فنظر إلى امرأة فلما نظر إليه قال عثمان : يدخل أحدكم علىَّ وفى عينيه أثر الزنى؟ فقال له أنس : أوحيا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : لا، ولكن برهان وفراسة....
و منها موقف عقبة بن نافع في فتح القيروان عندما دعا الله أن يخرج السباع و الوحوش و الحيات فكان له ما دعا...
و منها قصة الرجل الذي كان يلزم الإستغفار دائما فكان الله يلبي له كل شئ يتمناه و قص ذلك للإمام أحمد إبن حنبل و أنه كان من ضمن ما تمنى أن يرى الإمام أحمد...
و منها قصة الإمام البوصيري حينما جائه الرسول صلى الله عليه و سلم في المنام و أكمل له قصيدة بردة المديح...
و لا يستطيع أحد أن ينكر وجود هذه الكرامات و الفيوضات على كثير من عباده المقربين. و لا نسرد هذا الكلام هنا من باب السمر و قص القصص و لكننا هنا نعرض لحقائق جرت و أحداث واقعية حدثت لأشخاص بعينهم قاموا بتحقيق مقام العبودية لله في أنفسهم فمن الله عليهم بإنارة البصار و كشف الحق و إلتماس الطريق القويم...
و في الحديث الشريف :"رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ".
و في حديث آخر :"إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم".
و أيضا في الحديث القدسي :"..و ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإن أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها و رجله التي يمشي بها وإن سألني، أعطيته و لئن إستعاذني لأعيذنه...".
أخي الكريم و أعلم أن الإنسان لن تخرق له العوائد و تكون له الفتوحات بدون أن يؤثر الله على شهواته و يكون هواه مطابقا لما جاء به النبي "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به". و كيف يكون رقي العبد بين الخلق و هو لم يترقى بنفسه عن المعاصى و يترفع عن قبيح شهواته..و قد قيل من قبل :"كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة في مرآته؟ أم كيف يرحل إلى الله و هو مكبل بشهواته؟"...
لابد دائما من السعى و العمل الدؤوب و مجاهدة النفس على ملازمة الطاعة و إجتناب المعاصى و كسر جموح النفس للشهوات..فما الذي جعل البخاري يكون الإمام البخاري ؟؟ و ما الذي فعله مالك ليكون الإمام مالك؟؟
و ما الذي جعل المجاهد الإمام أحمد إبن حنبل الذي حفظ لنا الدين في فتنة خلق القرآن؟؟
و ما الذي جعل سيدنا سعد بن معاذ يهتز له عرش الرحمن عند موته بعد ست سنوات فقط من إسلامه؟؟
و سيدنا حنظلة الذي غسلته الملائكة؟؟
كيف كان هؤلاء كذلك؟؟ هل كان بالدعة و الراحة و النوم و الإنغماس في الشهوات و الغرق في الملزات؟؟ هل كان هذا بمحض الصدفة أو من قبيل الإعتباط؟؟
أخي الكريم \ أختي الكريمة...
تحقق بفقرك يمدك بغناه , تحقق بذللك يمدك بعزه , تحقق بتواضعك يمدك برفعته , تحقق بعبوديتك يمدك ببصيرته , تحقق بمعيته يمدك بأنسه....
و أختم بقول الحق تبارك و تعالى "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"..
فاختر لنفسك الطريق!!
Saturday, 4 July 2009
رقائق إيمانية (4) - قضاء حوائج الناس
سبحانه جعل لنا في النبي صلى الله عليه و سلم قدوة و في أفعاله دستورا و في أوامره أحكاما و في أفعاله تمثيلا لنا و تشبيها بأفعاله حيث قال الله تبارك و تعالى "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله و اليوم الآخر و ذكر الله كثيرا"..
فاللهم إجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن دعوته و رسولا عن رسالته…النبي محمد صلى الله عليه و سلم الذي يرشدنا إلى أحب الطاعات و أجل القربات إلى الله سبحانه و تعالى…فما هي أجل القربات؟؟؟
لقد ورد عن الرسول الكريم الكثير من الأحاديث في الترغيب في قضاء حوائج الناس
فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أحب الناس إلى الله أنفعهم ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم ، أو تكشف عنه كربة ، أو تقضي عنه دينا ، أو تطرد عنه جوعا ، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليّ من أن اعتكف في المسجد شهرا ، ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كظم غيظا ، ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة ، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له ، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام ، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل ) رواه الطبراني في الكبير ، وابن أبي الدنيا وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة...
فما ذكر في هذا الحديث هو خير الأعمال و أحبها إلى الله...
و لكن كيف تدخل السرور على مسلم؟؟؟ المجالات كثيرة بهذا الصدد فحدث و لا حرج و لله الحمد و منها:
تصدق على فقير...
تساعد الناس على إيجاد وظيفة...
زيارة المرضى و الإحتفال مع الأيتام..
شراء الدواء للفقراء المرضى و المساعدة في علاجهم...
إحضار الهدايا للأطفال...
قضاء دين المدينين...
تقوم بمساعدة زوي الإحتياجات الخاصة...
تنفيس كربة عن صديق لك و محاولة معاونته على إيجاد حلول لها...
تنظيف المنزل و ترتيبه...
إطعام الطعام...
كفالة المحتاجين...
مساعدة الشباب على الزواج..
من إحتاج إلى مجهودك بدنياً أو ماديا بصفة عامة من أشياء تستطيع بها إدخال السرور على المسلمين...
و فوق كل ذلك خدمة الأم و الأب و الأهل...
و للأسف تجد أن الكثير من الناس يتكاسل بل و يبخل بمجهوده و ماله من أجل خدمة الأخرين , و أحيانا يكتفي بالصلاة و الصوم و التسبيح و يهتم فقط بالعبادات الذاتية الغير متعدية النفع , على الرغم من أن الدين الإسلامي مبني على خدمة الأخرين و الإثرة و النفع المتعدي "و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة"..
و قديما قيل "ما إستحق أن يولد من عاش لنفسه فقط" فإن الإمم و الحضارات لا تبنى إلا بسواعد أقوام ضحوا بأنفسهم و أرواحهم و كل ما يملكون و لازلنا نكرر القانون الأزلي القرآني: "إن الله إشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون و يقتلون , وعدا عليه حقا في التوراة و الإنجيل و القرآن , و من أوفي بعهده من الله فإستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به"
نعم , صدقت يا الله و كيف لا نستبشر و أنت ربنا و كيف لا نستبشر و أنت المكافئ و أنت المجازي على الأعمال...
فما هو جزاء الساعين في قضاء حوائج الناس؟؟
إليك البرهان من كلام سيد المرسلين و لكن لا تنسى الصلاة عليه:
((إن لله عباداً اختصهم بقضاء حوائج الناس،حببهم إلى الخير،وحبب الخير إليهم،هم الآمنون من عذاب الله يوم القيامة)). ففي الصحيحين عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
وفي الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان في حاجة أخيه
كان الله في حاجته)
وقد ورد في الحديث القدسي: “يا ابن آدم أنفق ينفق عليك”، وقيل
“صنائع المعروف تقي مصارع السوء”
وروي
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من مشى في حاجة أخيه كان
خيراً له من اعتكافه عشر سنين ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله
جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق كل خندق أبعد مما بين
الخافقين”
و أما من أعرض عن مساعدة الناس فإنه يكون بذلك قد حرم نفسه من الثواب الكثير و يكون أيضا قد عرض نعمة الله عليه للزوال:
فعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: “ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ثم جعل
من حوائج الناس إليه فتبرم فقد عرض تلك النعمة للزوال"
فيا من من الله عليه بالنعم , يا من من الله عليك بالصحة و الناس مرضى , و يا من من الله عليه بالمال و الناس فقراء , و يا من رزقه الله الطعام الكثير و الناس جوعى , و يا من أعطاه الله الوقت الكثير و الناس مشغولون , و يا من أعطاه الله العلم و الذهن اليقظ و الناس لا يملكون العلم و لا الذهن النشط القوي
هلموا جميعا لخدمة الآخرين فإن الله إستودعكم على نعمه فناظر كيف تعملون , هل تعيشون بها لأنفسكم فقط أم تساعدوا الآخرين حتى يفرج عنكم و يعينكم وقت الضائقة و تجدونه قريبا منكم في شدائدكم..
و تذكر إستجابة الله تعالى لسيدنا زكريا حيث قال "فإستجبنا له و وهبنا له يحي و أصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات و يدعوننا رغبا و رهبا و كانوا لنا خاشعين"
و تذكر أيضا منة الله تبارك و تعالى لسيدنا موسى حينما سقى للمرأتين اللتين كانتا تزودان و كافئه بالزوجة الصالحة...و تذكر الصحابة و التابعين الذين ملأت الكتب و المخطوطات بسيرتهم العطرة و سعيهم في قضاء حوائج الناس..
و لنعلم جميعا أننا نتعامل مع رب كريم لا يخزي عمل العاملين و لا يضيع أجر المحسنين , سبحانه يقرضنا من ملكه ثم يستقرضنا منه حتى يدخلنا جنته و هو الغني عنا و عن أفعالنا سبحانه و تعالى...
Friday, 19 June 2009
رقائق إيمانية (3) - ديمومة الذكر
الحمد لله الذي أرسل إلينا نورا من عنده في ذات النبي صلى الله عليه و سلم و القرآن الكريم..
و من علينا بفيوضات رحمته حيث قال لنبيه و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين..
و جعله أفقه الناس و أبلغهم و أقصرهم طريقا إلى قلوب الخلق و أتقاهم و أقربهم إلي الحلال و أبعدهم عن الحرام.
و مما أوصانا به حبيبنا أن أحد السبل الراسخة التي تقرب العبد من ربه و تجعله على إتصال دائم بمولاه و تشعره بمعيته , هي الذكر..
عن عبد الله بن بشر رضي الله تعالى عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فدلني على شيء أتمسك به، فقال: (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله عز وجل) خرجه الإمام أحمد بهذا اللفظ..
في هذا الحديث يتبين لنا كيف كان لرسول صلى الله عليه و سلم مجامع الكلم..
و هذا الرد هو قانون للمحبين و دستور للموحدين "لا يزال لسانك رطبا بذكر الله" فإن الذكر هو سلاح المؤمن و نبراس حياته فبه تسعد حياته و يضئ قلبه و تستنير بصيرته , و كيف لا و قد قال ربنا تبارك و تعالى "و أنزلنا إليكم نورا مبينا"....
"لا يزال لسانك رطبا بذكر الله" الشئ الرطب هو الشئ الذي لا يفارقه الماء تماما..أي إستمرارية الإتصال بالماء و ملازمته إليه.
و كذلك الذكر لابد أن يكون ملازما للسان المسلم في كل وقت
الذكر يمكن أن يشمل الإستغفار و الصلاة على النبي و قراءة القرآن و التحميد و التهليل و التكبير..
و لم يحدد ربنا تبارك و تعالى حدودا للذكر "يا أيها الذين آمنوا أذكروا الله ذكرا كثيرا"
و من عظيم فؤائد الذكر أنها تلين القلوب و تطمئنها , الذين آمنوا و تطمئن قلوبهم لذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب..
و من فائده أيضا "فاذكروني أذكركم" و كيف يشقى من ذكره الله؟؟!!
و ممن مدحهم الله "الذين يذكرون الله قياما و قعودا و على جنوبهم" أي ديمومة الذكر في كل موضع و في كل موقف..
و لك أن تتبين أخي الكريم مدى حرص النبي صلى الله عليه و سلم –و هو خير الذاكرين- أن يجعلنا دائما على ذكر لله في الكثير من الأحاديث و الأفعال و التقريرات و تبين "اللهم إجعل لنا لسانا ذاكرا" و "اللهم أعني على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك"
و حتى بعد قضاء المناسك في الحج "فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا"
و أيضا أثناء الحرب "يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا و أذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون"
و بعد أن تكلم ربنا في موضع آخر عن الصلاة في الحرب قال "فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما و قعودا و على جنوبكم فإذا أطمأننتم فأقيموا الصلاة"
و كانوا ممن صنفهم الله فيمن أعد لهم مغفرة و أجرا عظيما حيث قال "و الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات أعد الله لهم مغفرة و أجرا عظيما"
و سيدنا يونس –عليه السلام- كان من المسبحين فنجا بأمر من الله "فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون" أي بطن الحوت..
و قد حث النبي و رغب دائما في الأذكار و منها أذكار الصباح و المساء و منها أذكار قبل النوم و دخول الخلاء و الخروج منه و أثناء الآذان و في الوضوء و حتى في جماع الرجل لزوجته و الإستسقاء و الكرب الشديد و العشي و الإبكار فسبحان الله حين تمسون و حين تصبحون...
و هذا لكي يكون المسلم دائم الذكر لمولاه و خالقه.
بالذكر يحي المسلم
بالذكر تنعم حياته
بالذكر يلين قلبه
بالذكر يحصن نفسه من الإنس و الجن
بالذكر يثبت على الطاعة و يغفر له الذلات
بالذكر يبارك له في الرزق و لا يمنع القطر
بالذكر يترقى في درجات الجنة و يسمو في مراتب الإيمان
بالذكر يتحقق الحب و الوصال
يا أيها الذين آمنوا أذكروا الله ذكرا كثيرا
Saturday, 30 May 2009
رقائق إيمانية (2) - و توقروه
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا"
اللهم صلى على حبيبك و حبيبنا محمد عدد من صلى عليه و صلي عليه عدد من لم يصلي عليه و صلي عليه عدد خلقك و رضا نفسك و زنة عرشك و مداد كلماتك.
إن توقير النبي صلى الله عليه و سلم من أسمى العبادات التى ترقى بها النفس و تسمو بها الروح و ترق لها القلوب و تحاذ بها المنازل و ترتفع بها المنازل..
كان الصحابة و السلف الصالح على إختلاف العصور و الأزمان يوقرون النبي صلى الله عليه و سلم..و كان لهم في هذا الدرب من التوقير ما لا تتخيله العقول من الأفعال و الأدب الجم في التعامل مع أحاديث النبي بل و مجرد سماع إسمه أو يذكر إسم النبي في مجلس للعلم.
و من ما نقل من الأخبار عن التابعين و السالفين أن بعضهم كان ينخرط في البكاء الشديد عند سماع حديث النبي , منهم من يصفر وجهه عندما يحدث عن النبي..
و على سبيل المثال فقد كان الإمام مالك عندما يريد أن يحاضر طلبة العلم عن الحديث كان يقوم فيتوضأ أولا و يستطيب و يمشط لحيته و يلبس أرقى ثيابه ثم يبدأ في الحديث.
و مما قيل عنه أنه كان لا يقضي حاجته في المدينة و بدلا من ذلك كان يخرج إلى أطراف المدينة ليقضي حاجته و ذلك إجلالا لأرض كان يعيش النبي عليها و دفن فيها.
و قيل أنه كان لا يمتطي دابته في المدينة حتى لا يتعالى على أرض النبي.
و منهم من كان راقدا في مرضه فأراد أن يروي حديثا عن النبي فقام و إعتدل و لما سأل عن هذا قال هذا توقيرا للنبي.
و منهم من كان لا يرد بحديث و هو يمشي في الطريق حتى يجلس و يتهيأ للحديث و كانت العلة أنه كان يوقر النبي صلى الله عليه و سلم..
و قد كانوا يتعاملون مع كلام النبي و كأنه يلقى عليهم من النبي نفسه.
و قد روي أن الحسن البصري كان يبكي عندما يروي حديث الجذع و يقول للناس يا عباد الله هذه خشبة تحن لرسول الله صلى الله عليه و سلم لما له من مكانة فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه.
إن من غلبه الشوق تعرف لحاله الدموع و النحيب. و من ذكر حبيبه يلتهب القلب بالأشواق. و من زاد حبه زاد شوقه لحبيبه.
و أي حب يعادل حب النبي بعد حب الله بل إن حب النبي من حب الله و توقيره من توقير النبي.
فهنيئا لمن ألهب الشوق قلبه و ملأت الدموع عينه و إستمتع بذكر محبوبه.
لطالما زكاه الله من فوق سبع سموات فقال تعالى:
فبما رحمة من الله لنت لهم و لو كنت فظا غليظ القلب لأنفضوا من حولك.
لقد جائكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم.
و إنك لعلى خلق عظيم.
و رفعنا لك ذكرك.
ما زاغ البصر و ما طغى.
قال الشاعر:
ولو وزنت به عرب وعجم *** جعلت فداه ما بلغوه وزناً
إذا ذكر الخليل فذا حبيب *** عليه الله في القرآن أثنى
وإن ذكروا نجى الطور فاذكر *** نجى العرش مفتقراً لتغنى
وإن الله كلم ذاك وحياً *** وكلم ذا مخاطبة وأثنى
ولو قابلت لفظة لن تراني *** لـ"ما كذب الفؤاد" فهمت معنى
فموسى خر مغشياً عليه *** وأحمد لم يكن ليزيغ ذهناً
وإن ذكروا سليمانًا بملك *** فحاز به الكنوز وقد عرضنا
فبطحا مكة ذهباً أباها *** يبيد الملك واللذات تفنى
وإن يك درع داود لبوساً *** يقيه من اتّقاء البأس حصنا
فدرع محمد القرآن لما *** تلا: "والله يعصمك" اطمأنا
وأغرق قومه في الأرض نوح *** بدعوةِ: لا تذر أحداً فأفنى
ودعوة أحمد: رب اهد قومي *** فهم لا يعلمون كما علمنا
وكل المرسلين يقول: نفسي *** وأحمد: أمتي إنساً وجنا
وكل الأنبياء بدور هدي *** وأنت الشمس أكملهم وأهدى
نعتذر لك يا رسول الله عن قلوب قست و أعين فارقها الدمع و شوق ليس إليك و حنينا إلى غيرك..
اللهم إنا نسألك أن تعمر قلوبنا بحب نبيك صلى الله عليه و سلم.
و نسألك أن تملأ قلوبنا إجلالا لحضرته.
و نسألك أن تحنن قلوبنا شوقا للقائه.
و نسألك أن تجري دموعنا حنينا لرؤيته.
و نسألك أن تحشرنا في زمرته.
و نسألك ألا تحجبنا عنه بثقل خطايانا.
Tuesday, 26 May 2009
رقائق إيمانية (1) - قل بفضل الله
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته يا شباب...
أتمنى من الله أن يوفقكم و إيانا إلى ما فيه الخير جميعا..اللهم آمين.
لقد وجدت أنه من الصعب ألا نتحدث مع أحبابنا و أن نتركهم بدون وصال فكانت هذه السلسلة من المقالات , سلسلة رقائق إيمانية. و سوف نتحدث فيها عن بعض الأمور التي تتعلق عن التفكر و السمو الروحي و صفاء النفس و تصحيح النوايا و الترقي بالنفس تحت مسمى الرقائق. و سوف ترتكز بإذن الله على حكم التابعين و رقائق الذاهدين مغلفة بكلام سيد المرسلين صلى الله عليه و سلم و بالطبع تحت مظلة القرآن الكريم. آملا من الله سبحانه و تعالى أن يعلمنا من فيض علمه و أن يصب علينا من تقواه و خشيته ما ييسر لنا به دخول الجنة مع النبيين و في زمرة الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولائك رفيقا , ذلك الفضل من الله و كفى بالله عليما...
أرجوا أن تتحملوني و أسأل الله أن يجعلها خالصة إلى و جهه الكريم و أن يسدل علينا الستر في الدنيا و الآخرة و الله المستعان و عليه التكلان..
أحمد الله رب العالمين الذي من علينا بنعمه و كرمه و سخرنا من أجل طاعته و وضع بعض خلقه في خدمته و إختصهم بمحبته , سبحانه يختص برحمته من يشاء ..قوم جعلهم الله جند من جنده الصالحين و أسباب للنصرة و الرباط و كما قيل من قبل " و آل ياسر في البأساء قد صبروا على الأذى فغدوا للدين قربانا , يا أهل طيبة حي الله عنصركم , أنتم حماة الحمى شيبا و شبانا , أحببت المصطفى فإختار داركم دارا و جندكم للحق أعونا"
ما أجل منن الله سبحانه و تعالى حينما يسخر العباد في خدمته و يكونون للدين قربانا!!
و هذا ليس بضربة حظ كما يقولون أو بغير تدبير , بل لابد من السعي و العمل الدؤوب من أجل نيل الرفعة و المنزلة و الدرجات العلا...و من يهب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر..
و لكن لابد أن يفطن العقلاء لحقيقة هامة قد ترفع أقواما و تخفض أقواما..ألا و هي أن المرء بطاعته لله و كلما كان سالكا درب الصالحات أن يضع هذه الحقيقة في قلبه , أن الله سبحانه و تعالى من عليه بالطاعة و أنه ليس للإنسان من تدابير لكي يصبح هكذا إلا بفضل الله و منته.
و كما قال إبن عطاء الله :"لا تفرح بالطاعة لأنها برزت منك و إفرح بأنها برزت من الله إليك"
فإن الأعمال الصالحات هي في الحقيقة فيوضات من الله تبارك و تعالى يمن بها على من يشاء من عباده إن علم في قلوبهم خيرا..
و كما قيل :"إذا أراد أن يظهر فضله عليك خلق العمل و نسبه إليك"
و أيضا :"أوجب عليك وجود خدمته و ما أوجب عليك في الحقيقة إلا دخول جنته"
و هذه دعوة للإستبشار لكل من فتح عليه الله تبارك و تعالى لعمل الصالحات و الخيرات...
أبشر أيها الصوام , أبشر أيها المنفق , أبشر يا طالب العلم , أبشر يا كافل اليتيم , أبشر يا من تساعد المكفوفين و ذوي الإحتياجات , أبشر يا من تساعد المرضى , أبشر يا من تحفظ و تحفظ القرآن , أبشر يا ذا النفع المتعدي للغير من الناس...
فهذه جميعا أفضال من الله و بشرى برضوان منه و لكن إجعل دائما القاعدة الذهبية نصب عينيك:
قال تعالي :"قل بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون"
إفرح بفضل الله عليك دائما إذا كنت موفقا من الله في عمل الصالحات و أعلم أن من وجد في طريقه سبل الخير دائما و نداء المحتاجين و يوفقه الله للإجابة فإعلم أنه في منة كبيرة و خير وفير..و الحسنة تجر الحسنة و إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين..