ضيف كريم مر بنا مرور الكرام , حل كالنسيم و إرتحل كالغريب. بل هو كما قال عنه ربنا تبارك و تعالى "أياما معدودات" فهو في ظاهره شهرا كاملا كما تبين الحسابات و تكشف الأرقام و لكنه في واقعه أياما معدودات.
أتانا الضيف الكريم و معه كل الخير و كل النفع و راح و معه عتقاء مقبولين فائزين و ترك من ورائه خاسرين نادمين مطرودين..هذه هي سنة الله بين خلقه في كل عام بنفحات تعرض على بني البشر و يفطن لها العقلاء ذوي الألباب و يعرض عنها اللاهون العابثون.
سبحانه و تعالى أقام الحجة على خلقه و فتح لهم من فيض رحمته و أنوار هدايته فأفلح من زكاها و قد خاب من دساها , تقرب من تقرب و تولى من تولى.
وقفت مع نفسي في ذروة الطاعة و العبادة في العشر الأخيرة من رمضان , فنظرت لنفسي عجبا من الحالة الإيمانية التي يكون عليها المتعبدين و العاكفين و القائمين في رمضان. فلما تدبرت قليلا الأعمال الصالحة وجدت أنه على الرغم من ذلك لا تصلح أعمالا كاملة يقابل بها المرء نعم الله عليه أو على الأقل أن يدفع بها العذاب عن نفسه يوم الحساب.
على سبيل المثال إذا نظرنا للفرائض من الصلوات هل نؤيدها حقها من تركيز و خشوع و طمأنينة و سكينة؟!!
أم أننا ننشغل بأشياء أخرى و أفكار دنيوية في الصلاة!!
ثم إطمأنت نفسي قليلا حينما تذكرت أن في صلاة السنن جبر للفرائض و ربما يكون هذا من المنقذات لأعمالنا الغير كاملة. و لكن سرعان ما إضطربت نفسي عندما تبينت أنه كيف نجبر الناقص بالناقص فهل نؤدي للسنن حقها؟؟!! أين المفر؟
لحظة , و لكن هناك مخرج..
الإستغفار , نعم هو الإستغفار , الإستغفار هو الملاذ الوحيد..
همست في نفسي , و لكن هل نؤدي الإستغفار على نحو ما كان يفعله النبي صلى الله عليه و سلم مع أنه لم يكن أقل منا حسنات و لم يكن أكثر منا سيئات!!
ثم بعد صلاة مع البكاء و إزراف الدمع..قالت لي نفسي "إنظر كيف أنك خشعت هذه المرة أكثر من باقي المصلين" , و بالتالي لحظات من العجب تحبط العمل بكامله , وا حسرتاه!! إبك يا نفس على نفسك..
آه..هناك أملا آخر..الصيام و الإمتناع عن المباحات و المحرمات إبتغاء مرضات الله ..و فجأة و بدون مقدمات زارني زميل في العمل لم أكن رأيته منذ فترة و بدأنا نتحدث قليلا عن العمل ثم تطرقنا إلى الموقف الساخر الذي فعله المدير الفلاني مع الموظف الفلاني..توقفت للحظات و شعرت بالألم و الحسرة حينما إستعدت الحوار الذي دار و تصيدت ما فيه من الغيبة و النميمة..
و بعد فترة من التفكير و مراجعة شريط الذكريات و حساب النفس على ما قدمت من صالحات تشوبها الشبهات و ما فعلت من تقصير الفادح من ذنوب و آثام , تذكرت قول الله عز و جل "و لولا فضل الله عليكم و رحمته ما زكى منكم من أحد أبدا و لكن الله يزكي ما يشاء" صدق الله العظيم..
و أيضا لاح أمام عيني الحكمة التي قالها أحد الزهاد "لولا جميل ستره لم يكن عملا أهلا للقبول"
و لذلك تجد أن النبي صلى الله عليه و سلم سن لنا الإستغفار بعد الصلاة. هل الصلاة ذنب حتى نستغفر منها؟! و لكن إذا علمت أن الله ينصب وجهه لوجهك في الصلاة و أنها صلة بين العبد و ربه فلابد أنك مهما كنت من التركيز فلن تؤديها حقها.
و كذلك إذا كان أدائها على أتم وجه و أكمل هيئة كفعل النبي صلى الله عليه و سلم –و هذا من المستحيلات- فإنها ليست كفء لمقام الله عز و جل فلابد أن تستغفر بعدها أيها العبد المقصر..
فتجد أن العمل يخرج و قد لوثته النقائص وعدم الخشوع و قلة التركيز و النوايا الغير خالصة و العجب من الإحسان في العمل و النظر في أعين الخلق و سماع مدحهم لنا في العمل و ما إلى ذلك من حظ النفس في الأعمال و لا حول و لا قوة إلا بالله..
إن ستر الله علينا من نعمه الكبيرة التي لا ندرك مداها إلا يوم القيامة فإنه ستره سبحانه و تعالى قد جبر العمل الناقص و قبل قليله و رممه لنا كي ينقذنا من النار و ليس بواجب عليه . كما أنه ستر علينا في المعاصي و الذنوب و طفق يرزقنا مع عصياننا و ستر معاصينا عن أعين الناس و لو علموا ما فيها لهجرونا:
يظن الناس بي خيرا واني
لشر الخلق ان لم تعف عني
و كما قال علماؤنا إذا مدحك الناس على وجودك في الطاعة فأعلم أنهم يمدحون الستر الذي وضعه الله عليك فجمل الصورة و جبر العمل سبحانه و تعالى.
إلهي أنت أقمتنا في الطاعات و نحن لسنا أهلا لأن نقف بين يديك..
إلهي أنت أوقفتنا ندعوك في الصلاة و قد عصيناك كثيرا و أنت سترتنا كثيرا..
إلهي أنت نصبتنا في جوف الليل نقرأ من كتابك و قد لهونا و عبثنا كثيرا و تكاسلنا عن الطاعة كثيرا..
إلهي كيف نتوسل إليك بطاعة ناقصة و إخلاص مشوب و نفس بغيرك شغولة و تركيز زهيد؟؟
إلهي كيف نرجوا الدرجات العلا و نحن مكبلين بالشهوات و الملذات؟؟
إلهي كيف نأمل الفردوس الأعلى و قد خنا العهد في السر و العلن؟؟
إلهي كيف نحشر في معية النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و قد أثقلتنا الخطايا و الآثام؟؟
إلهي تتنزل في كل ليلة نزولا يليق بجلالك لتغفر الذنوب و تلبي النداءات و نحن نغط في نوم عميق و نحن العبيد و أنت الرب؟؟
من أحق أن يؤتى إيه العبد أم الرب؟؟
إلهي إرحم عبيدا لا حيلة لهم إلا حسن الظن في رب ستير!! هل يرحم العبد بعد الله من أحد!!؟؟
Sunday, 27 September 2009
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment