Saturday, 11 July 2009

رقائق إيمانية (5) - كيف تخرق لك العوائد؟؟

بسم الله و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و إمام المتقين و رحمة الله للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم خير من صلى و صام و عبد و قام و نصح للأنام , فشرف الله به هذه الأمة و بلغ به دين الإسلام و فتح به قلوب غلفا و آذانا صما و أعينا عميا فنال المراتب الراقية و المقام المحمود و الدرجة العالية الرفيعة...فاللهم إجزه عنا خير الجزاء برحمتك و جودك و كرمك و إجمعنا في زمرته و إحشرنا تحت لوائه و إسقنا من يده الشريفة شربة هنيئأ مرية لا نظمؤ بعدها أبدا..إنك ولي ذلك و القادر عليه , اللهم آمين..
قال إبن عطاء الله السكندري في حكمه: "كيف تخرق لك العوائد؟ و أنت لم تخرق من نفسك العوائد"
فهذه الحكمة هي أحد الثوابت الكونية التي وضعها الله تعالى بمثابة القانون الإلهي للعمل و الإجتهاد في هذه الحياة الدنيا. كيف يرجوا المرء أن يمكنه الله من الأمور في الدنيا و أن يجري له الآيات و هو لم يتحقق بمقام عبوديته لله. و كما قيل من قبل "من طلب العلا سهر الليالي". كلما تحقق الإنسان بمقام عبوديته لله و تمام تسليمه لمراد الله فيه , كلما من الله عليه بالفتوحات و كشف البصيرة. و ما يزال المرء يتقرب من الله في عباداته و طاعاته حتى يرقي في الدرجات بأن يصير من أولياء الله "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون". و لست أعني هنا وليا بالمجذوبين أو الدجالين كما يدعي دعاة الصوفية المعاصرين و الذين يتمسحون في الأضرحة و يذبحون الذبائح للأموات. و لكن الدين يثبت أن لله أولياء و من المعلوم عن طريق الشواهد و الأحداث أن بعض الصالحين كان لهم من الكرامات و الموافقات ما من الله عليهم به ليكشف لهم الأمور.
و أذكر لكم بعض المواقف و منها موقف سيدنا عمر رضي الله عنه عندما رأى سارية الجبل و ناداهم في الغزوة.
و منها أيضا موقف سيدنا عثمان ذو النورين: أن أنس بن مالك رضى الله عنه دخل عليه وكان قد مر بالسوق فنظر إلى امرأة فلما نظر إليه قال عثمان : يدخل أحدكم علىَّ وفى عينيه أثر الزنى؟ فقال له أنس : أوحيا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : لا، ولكن برهان وفراسة....
و منها موقف عقبة بن نافع في فتح القيروان عندما دعا الله أن يخرج السباع و الوحوش و الحيات فكان له ما دعا...
و منها قصة الرجل الذي كان يلزم الإستغفار دائما فكان الله يلبي له كل شئ يتمناه و قص ذلك للإمام أحمد إبن حنبل و أنه كان من ضمن ما تمنى أن يرى الإمام أحمد...
و منها قصة الإمام البوصيري حينما جائه الرسول صلى الله عليه و سلم في المنام و أكمل له قصيدة بردة المديح...
و لا يستطيع أحد أن ينكر وجود هذه الكرامات و الفيوضات على كثير من عباده المقربين. و لا نسرد هذا الكلام هنا من باب السمر و قص القصص و لكننا هنا نعرض لحقائق جرت و أحداث واقعية حدثت لأشخاص بعينهم قاموا بتحقيق مقام العبودية لله في أنفسهم فمن الله عليهم بإنارة البصار و كشف الحق و إلتماس الطريق القويم...
و في الحديث الشريف :"رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ".
و في حديث آخر :"إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم".
و أيضا في الحديث القدسي :"..و ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإن أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها و رجله التي يمشي بها وإن سألني، أعطيته و لئن إستعاذني لأعيذنه...".
أخي الكريم و أعلم أن الإنسان لن تخرق له العوائد و تكون له الفتوحات بدون أن يؤثر الله على شهواته و يكون هواه مطابقا لما جاء به النبي "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به". و كيف يكون رقي العبد بين الخلق و هو لم يترقى بنفسه عن المعاصى و يترفع عن قبيح شهواته..و قد قيل من قبل :"كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة في مرآته؟ أم كيف يرحل إلى الله و هو مكبل بشهواته؟"...
لابد دائما من السعى و العمل الدؤوب و مجاهدة النفس على ملازمة الطاعة و إجتناب المعاصى و كسر جموح النفس للشهوات..فما الذي جعل البخاري يكون الإمام البخاري ؟؟ و ما الذي فعله مالك ليكون الإمام مالك؟؟
و ما الذي جعل المجاهد الإمام أحمد إبن حنبل الذي حفظ لنا الدين في فتنة خلق القرآن؟؟
و ما الذي جعل سيدنا سعد بن معاذ يهتز له عرش الرحمن عند موته بعد ست سنوات فقط من إسلامه؟؟
و سيدنا حنظلة الذي غسلته الملائكة؟؟
كيف كان هؤلاء كذلك؟؟ هل كان بالدعة و الراحة و النوم و الإنغماس في الشهوات و الغرق في الملزات؟؟ هل كان هذا بمحض الصدفة أو من قبيل الإعتباط؟؟
أخي الكريم \ أختي الكريمة...
تحقق بفقرك يمدك بغناه , تحقق بذللك يمدك بعزه , تحقق بتواضعك يمدك برفعته , تحقق بعبوديتك يمدك ببصيرته , تحقق بمعيته يمدك بأنسه....
و أختم بقول الحق تبارك و تعالى "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"..
فاختر لنفسك الطريق!!

No comments:

Post a Comment