Monday, 21 September 2009

رقائق إيمانية (7) - علل القلوب

كل عام و أنتم بخير بمناسبة عيد الفطر..
أسأل الله تعالى أن يجعل حالنا بعد رمضان أحسن مما كنا عليه في رمضان و أن يثبتنا على طاعته..
اللهم كما أذقتنا لذة الصيام و القيام و التهجد في رمضان فلا تحرمنا بذنوبنا لذة هذه الطاعات بعد رمضان..
و إجعل القرآن خير رفيق لنا و خير معين على طاعتك و فهمنا منه الكثير و أعنا على حفظه و العمل به و قراءته على الوجه الذي يرضيك عنا...و بلغنا به جناتك و أسكنا به الغرف و أكسنا به الحلل و ارفع به عنا النقم و امح به خطايا و اكتبنا به مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولائك رفيقا..
اللهم إستجب دعانا بحولك و قوتك يا أرحم الراحمين.

بهذه المناسبة أذكر نفسي و إياكم بصيانة القلوب. القلب كما نعلم جميعا هو عضو من أعضاء الجسم و وظيفته هي الضخ المستمر للدم في جسم الإنسان و كذلك المحافظة على الدورة الدموية للجسد. و لسنا هنا لنتكلم عن العمل المادي أو الميكانيكي لقلب الإنسان و لكننا نتكلم عن الجانب الآخر من وظيفته أو الجانب المعنوي له.
للأسف يهتم أغلب الناس بصيانة القلب و متابعته من جانب واحد فقط و لا يعيرون الجانب الآخر إهتماما على الرغم من أنه لا يقل أهمية عن صيانة وظائفه الحيوة..

فكما يتأثر الأداء المادي للقلب بالتدخين و الإفراط في الأكل و المجهود العنيف و مؤثرات صحية أخرى , أيضا يتأثر الجانب الروحاني للقلب بالمعاصي و الفتن و الشهوات و الدنيا بصفة عامة.. و لكن أكثر الناس لا يعلمون و لو علموا لا يعملون!!!

لقد قص علينا القرآن الكريم من دعاء أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام "و لا تخزني يوم يبعثون ؛ يوم لا ينفع مال و لا بنون ؛ إلا من أتى الله بقلب سليم". فهذا يعني حتما أن هناك قلب سليم و قلب مريض , و كان بين ذلك قواما.

سؤال: هل للقلب من عطب؟؟
الإجابة: نعم..
إن القلب كعضو من أعضاء الجسد له وظيفة روحانية خلقه الله تعالى من أجلها..فالقلب السليم هو القلب الذي يتابع الله تعالى في حركاته و سكناته و هو القلب الذي يميل إلى الحق و هو القلب الذي يبغض الباطل , يرفض المعصية و يحن للطاعة , يميل لدين الله و ينفر من هوى الشيطان , يضيق صدرا بالحرام و يلين كيانه للحلال..

إنك تستطيع أن تعيش بغير أيد أو أرجل و لكنك لا تستطيع أن تحيا بدون قلب!!
و هذا هو جل قوة القلب فإن سائر الأعضاء لا تصح إلا بصحته و لا تمرض إلا لمرضه..و ذلك مصداقا لما قاله سيد الخلق صلى الله عليه و سلم :"ألا إن في الجسد مضغة ؛ إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله ؛ ألا و هي القلب". إن الجوارح تتبع القلب و هي خادمة له و عاملة تحت طوعه و بكامل إرادته و تصرفه بها.
بل إن أعمال الجوارح تترجم ما للقلب من حالة ؛ فنظر العين و بطش اليدين و السعي بالقدمين و الكلام باللسان و الفكرة تمر على المخ بسلطان القلب و تحت تأثيره..

إن من أخطر ما يميز القلب أنه سريع التقلب و التبدل من حال إلى حال و لذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه و سلم "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"..
القلب سريع التغير و ربما مال قليلا للباطل ثم ما يلبث أن يعود للحق و هكذا فإن الإنسان في صراع مستمر مع قلبه لمحاولة تثبيته على طاعة الله و بالطبع بحول الله و قوته , و الله المستعان..

القلب له من الأسباب الكثير التي قد تحوله و له أيضا من المؤثرات العديدة التي قد تفقده إيمانه و سكينته..
كلما إقترف الإنسان من الذنوب و الخطايا كلما زاد تأثر القلب ثم تشوبه الشوائب إلى أن يصاب بإلف المعصية و بعدها يحب المعصية و يتفنن بها و إليعاذ بالله..

لعل الكثير منا يسمع عن إلف المعصية ؛بل إن بعضنا ذاقها بنفسه؛ عن طريق فعله لمعصية معينة و ذنب إعتاد الوقوع فيه. و من التأثير الواضح لهذا الإلف تجده في الفرق بين شعورك بالذنب في أول مرة فعلت بها الذنب و شعورك تجاه الذنب بعد فترة من الإستمرار عليه. الخشية تسلب من القلب بقدر إلف المعصية.
بل –و إليعاذ بالله- إن بعض الناس يصل إلى درجة أنه يفعل الذنب و يحسب أنه على حق و هذا من تزيين النفس و تزيين الشيطان أيضا و لا حول و لا قوة إلا بالله. قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا..
و من تأثر القلب أيضا أنه لا يستجيب إذا ذكر بالله و أنه لا يخشع لسماع آيات الله , حتى أن القلب حينما يزيد إهماله فإنه يقسو أو يطبع الله عليه و نعوذ بالله من ذلك..
قال تعالى "فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله"
و قال أيضا "ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة"
و قال: "في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا"
و قال: "أولائك الذين طبع الله على قلوبهم فأصمهم و أعمى أبصارهم"
و قال :"أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها"
و قال صلى الله عليه و سلم : تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة
سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسود مربادا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه، و قلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السماوات و الأرض.

إن من العوامل التي تساعد على فساد القلوب:
الشرك بالله..
التعلق بالدنيا و فضول المباحات..
الإصرار على المعاصي..
إستصغار الذنب..
كثرة الكلام في غير طاعة..
الإكثار من مخالطة الأصدقاء..
التكاسل عن الطاعات..
آفات القلوب من الغل و الحسد و الغضب و العجب و الرياء..
و الكثير و الكثير و من يرد أن يزيد فليقرأ كتاب "طب القلوب" لإبن قيم الجوزية.

و هذا إنذار لنا جميعا:
فلنحذر إن كانت قولوبنا تميل للأغاني و لا تميل لسماع القرآن..
و لنحذر إن كانت قلوبنا تستمع بمجالسة خلطاء السوء و تمل من مجالسة الصالحين..
و لنحذر إن كانت قلوبنا تؤثر مشاهدة المباريات على حساب الصلوات الخمس..
و لنحذر إن كانت قلوبنا تنصحنا بجمع المال و تعرض بنا عن مساعدة المحتاجين..
و لنحذر إن كان حب كشف الشعر أهون على قلوبنا من إرتداء الحجاب..

لنبك على نفوسنا و لننعيها إن فسدت قلوبنا و لا نعمل على إصلاها..

و ما العلاج؟؟
العلاج هو إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم , التوبة من المعاصي , تجنب الشهوات , ترك التعلق بالدنيا , و إتيان المعروف "إن الحسنات يذهبن السيئات , ذلك ذكرى للذاكرين" و مجاهدة النفس و المثابرة على الإخلاص في كل الأعمال و ذكر الله و لا سيما القرآن الكريم..
و الله المستعان..

No comments:

Post a Comment